اخت المحبه عضوة ماسية
عدد المساهمات : 3700 تاريخ التسجيل : 07/02/2015 الموقع : شبكة العلياء القرآنية العمل : نشرالخير ومراجعة القران كم تحفظ : الحمد لله تعليقك : صاحبي القرآن اليوم يصاحبكِ غداً
جالسيه وفرغي له قلبكِ ووقتك ، يكن لكِ جليسًا وأنيسًا في القبر..
وشفيعًا يوم الحشر.
| موضوع: أثر تدبر القرآن الكريم في بناء شخصية الصحابة الثلاثاء أغسطس 22, 2017 9:01 am | |
|
أثر تدبر القرآن الكريم في بناء شخصية الصحابة
د . خلود "محمد أمين" محمود الحواري – أستاذ مساعد بقسم الدراسات القرآنية
جامعة طيبة – المدينة المنورة
ـــــــــــــــــــــ
لا يخفى على أحد مظاهر الحياة التي عاشها الصحابة رضي الله عنهم قبل الإسلام ونزول القرآن, وما تحمله من ملامح الشخصية السلبية التي سطر القرآن بعضها, فقال تعالى ممتنا عليهم: {لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ} آل عمران/164
وقد حاولت الباحثة في هذه الدراسة بيان أبرز معالم ومقومات شخصية الصحابة التي تأثرت بتدبرهم للقرآن الكريم, من خلال ما صح من أخبار سطرتها كتب التفسير والحديث والسير والتراجم, لمواقف من ذلك التدبر الذي ساهم في بناء شخصياتهم رضي الله عنهم أجمعين.
وبعد بيان أهمية البحث تناولت الباحثة منهج الدراسة الذي اعتمد على المنهج الاستقرائي, من خلال جمع المادة العلمية من مظانها, بالإضافة للمنهج التحليلي لهذه النصوص, ثم استنباط المعاني والفوائد منها.
وقد قسمت الباحثة الدراسة إلى تمهيد وخمسة مطالب, تناولت في هذه المطالب أثر تدبر القرآن في بناء مقومات شخصية الصحابة, وهي: المقوم العقدي, والتعبدي, والسياسي – الولاء والبراء – والسلوكي الأخلاقي, والاقتصادي, وذلك في خمسة مطالب, لتنهي الدراسة بالخاتمة.
في التمهيد تناولت الباحثة المقصود من الشخصية الإسلامية من خلال التعريف التالي: شخصية إنسانية تمثلت روح القرآن, وبرزت مكوناتها من خلال نمط تفكيرها وتحدد مساراتها, وتحكم شؤون حياتها على أساس الإسلام.
كما تناولت الباحثة مقومات هذه الشخصية وهي: الأسس والمرتكزات العقدية والعلمية والتعبدية والخلقية والاجتماعية, التي تمثل ضوابط بناء الشخصية ومعايير سلوكها وفكرها.
ولما كانت القدوة من أهم أساليب التربية والبناء, كان لزاما تأمل نماذج شخصية الصحابة الكرام, التي برزت فيها التخلية والتحلية, وتحقق فيها التحول الكامل في المعتقدات, والتبديل في المنهاج, وما تزال كلمات جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه للنجاشي تقرع أسماع التاريخ "أيها الملك: كنا قوما أهل جاهلية نعبد الأصنام ......حتى بعث الله إلينا رسولا منا........".
بعد ذلك تناولت الباحثة تعريف التدبر بأنه: "التفكير الشامل الموصل إلى آواخر دلالات الكلم ومراميه البعيدة", كما أوردت الباحثة كلاما لابن القيم وغيره في لزوم تدبر القرآن الكريم, لأنه لم ينزل لمجرد التلاوة وانعقاد الصلاة عليه.
وبعد أن ذكرت الباحثة ثمار تدبر الصحابة للقرآن الكريم: من تأثر ظهرت أماراته في الوجل والخشوع والبكاء من خشية الله عند تلاوته, والعمل والامتثال لأوامر القرآن ونواهيه, أكدت أن ذلك التدبر هو من أهم مقومات بناء شخصية الصحابة الكرام.
بعد هذا التمهيد شرعت الباحثة في بيان أثر القرآن الكريم في بناء مقومات شخصية الصحابة الكرام, وذلك من خلال خمسة مطالب هي:
1- المقوم العقدي: لقد أثمر تدبر الصحابة الكرام للقرآن الكريم أمورا في غاية الأهمية في مجال العقيدة أهمها:
· الثقة بالله تعالى: وهي من أبرز ما يميز الشخصية المسلمة في حالة السراء والضراء, وقد ذكرت الباحثة نماذج وأمثلة من كتب السير والتراجم تشير إلى مواقف الصحابة الكرام التي تدل على ثقتهم المطلقة بالله وحده, ومن أبرزها كتاب عمر بن الخطاب إلى أبي عبيدة بن الجراح يصبره ويشد أزره حين تألب عليه الأعداء بالشام وحوصر, فإذا بالمنصوح يصبح ناصحا وواثقا بالله أكثر من الناصحين.
· إيثار الآخرة على الدنيا: وهي من أهم مقتضيات عقيدة المؤمن وأبرز معالم شخصيته, وقد أوردت الباحثة نصيحة أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه لأهل العراق أن يتخففوا من لين طعامهم, ناهيك عن أمثلة أخرى كثيرة في هذا المجال.
· خشية الله واستعظام الذنب: التي تعتبر من أهم مظاهر المقوم العقدي للشخصية المسلمة, بل جعلها الله شرطا للإيمان كما ذكر القرآن: {وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} آل عمران/175, ولعل من أبرز الأمثلة على خشية الصحابة من الذنب واستعظامهم له جراء تدبرهم للقرآن, ما ورد في الصحيح أنه لما نزل قوله تعالى: {الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ} الأنعام/82, شق ذلك على الصحابة وقالوا: أينا لم يظلم نفسه! فقال صلى الله عليه وسلم: "ليس كما تظنون, إنما هو كما قال لقمان لابنه: {يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ}" لقمان/13
· سرعة الامتثال وإجابة أمر الله على كل حال: فقد قرأ أبو طلحة رضي الله هذه الآية: {انْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالًا وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ} التوبة/41, فقال: استنفرنا الله وأمرنا الله, واستنفرنا شيوخا وشبابا جهزوني, فقال بنوه: يرحمك الله إنك قد غزوت على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر, ونحن نغزو عنك الآن, فغزا البحر فمات, فطلبوا جزيرة يدفنوه فيها, فلم يقدروا عليه إلا بعد سبعة أيام وما تغير.
2- المقوم التعبدي: وهي من الأسس التي تميز شخصية المسلم, فبها تستنير بصيرته ويستنير وجهه ويصلح للتلقي عن الله تعالى والفهم في كتابه, وقد ذكرت الباحثة مثالا واحدا لهذا المقوم, تمثل باستسماح عبادة بن محمد بن الصامت من مواليه وخدمه وجيرانه إن بدرت منه أخطاء تجاههم.
3- المقوم السياسي "الولاء والبراء": وهي قضية من القضايا المفصلية في الشخصية الإسلامية, ناهيك عن كونها لا تقبل أنصاف الحلول ولا التمييع, ولا يخفى أثر القرآن الكريم في بناء شخصية الصحابة الكرام على عقيدة الولاء والبراء.
وقد أوردت الباحثة مثالا لذلك غضب أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه من اتخاذ أبي موسى الأشعري رضي الله عنه كاتبا له من النصارى, قائلا: أما وجدت في أهل الإسلام من يكتب لك, لا تدنهم إذ أقصاهم الله, ولا تأمنهم إذ أخانهم الله, ولا تعزهم بعد إذ أذلهم الله, فأخرجه.
4- المقوم السلوكي والأخلاقي: الذي هو من أبرز سمات شخصية المسلم حين يتدبر كتاب الله, والتي تظهر في:
· الترقي والكمال: حيث تسمو النفس وترتفع عن سفاسف الأمور إلى معاليها, ونظرا لكون الأمثلة والنماذج التي ذكرتها الباحثة في هذا الباب كثيرة في صحابة رسول الله, فسأكتفي بذكر ما صنعه جبير بن مطعم رضي الله عنه الذي تزوج امرأة من بني النضير فطلقها قبل أن يدخل بها, فأرسل إليها الصداق كاملا قائلا: أنا أحق بالعفو منها: {إِلَّا أَنْ يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ} البقرة/237.
· محاسبة النفس والابتعاد عن المحرمات: وهو من ثمار مراقبة الله والشعور بالمسؤولية التامة تجاه النفس لتخليصها من تبعات الموقف العظيم, والتي ظهرت في تدبر أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه لقوله تعالى: {يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لَا تَخْفَى مِنْكُمْ خَافِيَةٌ} الحاقة/18, ليقول مقولته المشهورة: "حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا ....".
· الشعور بالمسؤولية ومراعاة حقوق العباد: الذي اكتسبه الصحابة الكرام من تدبرهم للقرآن الكريم, فقد كان عمر رضي الله عنه يصلي من الليل ثم يوقظ أهله ويقول: الصلاة الصلاة, ثم يتلو: {وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لَا نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى} طه/132
· الاعتصام بالكتاب والسنة: وخاصة في زمن الفتن التي تزل بها الأقدام, وقد ذكرت الباحثة امتناع ابن عمر رضي الله عنهما عن القتال في فتنة ابن الزبير رضي الله عنهما قائلا: قاتلنا حتى لم تكن فتنة, وأنتم تريدون أن تقاتلوا حتى تكون فتنة ويكون الدين لغير الله.
· الصبر عند المصيبة: والتي هي من أبرز صفات الشخصية الإسلامية الذي يتدبر كلام الله تعالى, وما صبر الصحابة على المصائب والمحن وأشدها محنة وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا خير دليل على ذلك.
· الفراسة وإدراك مآلات الأمور: والتي تتمتع بها الشخصية المسلمة, حيث يكسبها تدبر القرآن استشراف المستقبل وتوقع أحداثه.
· تحقيق العدل: التي هي أمارة من أمارات الشخصية الإسلامية, وقد ذكرت الباحثة روايتين تبين فيهما حرص أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه على تحقيق العدل في توزيع أموال بيت مال المسلمين, حتى هداه الله لقسمة عادلة, من خلال تدبره لآيات الله تعالى.
· إنزال الناس منازلهم ومعرفة فضلهم: والتي كان لتدبر الصحابة للقرآن الكريم أثر كبير في بناء شخصيتهم على هذا الخلق الرفيع, وقد ذكرت الباحثة مثالا على ذلك إنزال علي رضي الله عنه لأبي بكر رضي الله عنه منزلته وتقديمه على نفسه في كل شيء.
· التواضع ولين الجانب: والتي كانت ميزة كبار الصحابة وعلى رأسهم الخلفاء الراشدون, ثم بقية الصحابة الكرام.
· العفو والتسامح: حتى في أحرج الأوقات, كما فعل علي رضي الله عنه بابن طلحة في موقعة الجمل, حيث رحب به علي رضي الله عنه وأدناه, كما يتجلى في خلق أبي بكر رضي الله عنه في حادثة الإفك مع مسطح.
· الاعتراف بالخطأ والبعد عن المكابرة: وهو كثير في سجل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم, وسمة من سمات شخصيتهم القرآنية.
· الشجاعة والإقدام: التي اكتسبها الصحابة الكرام من تدبر القرآن.
· البذل والإنفاق في سبيل الله: التي تعلمها الصحابة من تدبر قول الله تعالى: {لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ...} آل عمران/92.
5- المقوم الاقتصادي: فأشد ما يخشى على بناء الشخصية الإسلامية من التقوض الخوف على الرزق, ولذلك أكد الله تعالى أن الرزق بيده في أكثر من موضع في القرآن الكريم, وقد وعى الصحابة ذلك من خلال تدبرهم لهذه الآيات, فكانوا مثالا يحتذى في التوكل على الله في الرزق, وانشغالهم بمرضاة الله وتنفيذ أمره.
وبذكر أهم نتائج الموضوع و أبرز توصياته ختمت الباحثة دراستها القيمة هذه, فجزاها الله عن المسلمين كل خير.
| |
|